"لقد خسرت فرنسا المعركة، لكنها لم تخسر الحرب". وبالإنجليزية:
"
وكان الغرض من خطابه هو حشد أكبر عدد ممكن من الفرنسيين للمقاومة، وهو ما لم يتحقق في البداية.
إن القوة العسكرية كمًّا ونوعًا وإرادة، هي التي تستطيع إنجاح الكرّة بعد الفرّة للفوز بالحرب في النهاية، وإن منيت بالهزائم ابتداءً. وإن الأمة التي لا تحسب حساب الدفاع والجهاد عن أراضيها هي أمة آيلة للزوال عاجلاً أم آجلاً. أن صرفيات الدول عسكريًا تُنبئك بحيوية وديمومة ومكانة هذه الدول عالميًا (الجدول).
شارك الأمير الإسكتلندي روبرت بروس (Robert the Bruce) بمساعدة تمرد البطل الإسكتلندي ويليام والاس شجاع القلب (The Braveheart كما بالفيلم السينمائي) ضد إدوارد الأول ملك إنجلترا الظالم، وبعد أن صار روبرت بروس ملك اسكتلندا عام 1306) وحتى وفاته 1329). انهزم روبرت أمام جيش الملك إدوارد الثاني واضطر للفرار والاختباء. ويقال أنه جلس تحت شجرة جريحًا فرأى نملة ترفع حبة أكبر من حجمها فتقع الحبة لكن ترجع النملة لحملها ثانية، وهكذا، فاستوحي منها المثابرة والكرّة بعد الفرّة. فشنّ حرب عصابات ناجحة ضد الإنجليز. وفي معركة بانوكـبورن (Battle of Bannockburn) عام 1314، هزم روبرت جيشًا إنجليزيًا أكبر منه بكثير بقيادة إدوارد الثاني ملك إنجلترا، مما أسس لمملكة اسكتلندية مستقلة.
والحرب العالمية الثانية مليئة بأمثال كثيرة للكرّة بعد الفرّة.
حرب فرنسا (Battle of France 10 نيسان – 25 حزيران 1940)
بعد غزو ألمانيا لبولندا سبتمبر 1939، مرّت 6 أشهر من الهدوء النسبي على أوروبا (سميت بالحرب الزائفة phony war)، واقتصر الصراع بين فرنسا وألمانيا على امتداد 100 ميل (160 كم) من الحدود المشتركة بين نهر الراين وحدود لوكسمبورغ.
خط ماجينو (Ligne Maginot سمي باسم وزير الحرب الفرنسي أندريه ماجينو) عبارة عن خط تحصينات خرسانية وعقبات ومنشآت أسلحة بنتها فرنسا في الثلاثينيات لردع الغزو الألماني. كان خط Maginot منيعًا لمعظم أشكال الهجوم البري. ولذلك، غزا الألمان البلدان المنخفضة (لكسمبرغ وهولندا وبلجيكا) عام 1940، وعبروا لشمال خط ماجينو، الذي كان المفروض أن يتم تمديده بالكامل نحو الغرب لتجنب مثل هذا الحدث، ولكن تم تقليصه أخيرًا استجابة لمطالب بلجيكا. توقفت فرص نجاح الهجوم الألماني ضد فرنسا على التقدم الألماني عبر غابة آردين Ardennes الكثيفة، والتي اعتبرها الفرنسيون مستحيلة وغير قابلة لعبور الدبابات. لكن الألمان نجحوا وعبروا هذا الحزام الأخضر الوعر عن طريق عمل فريقي رائع غير مسبوق أشبه بالمعجزة؛ إذ قامت الوحدات المدرعة الألمانية باندفاع مفاجئ عبر منطقة Ardennes وعلى طول وادي Somme، مما أدى لقطع ومحاصرة وحدات الحلفاء التي تقدمت إلى بلجيكا لمقابلة الجيوش الألمانية هناك، وتراجعت القوات البريطانية والبلجيكية والفرنسية للبحر بمنطقة دونكرك أمام التقدم الألماني؛ وتمكنت القوات البحرية البريطانية والفرنسية بالكاد من اخلاء جيوشها المحاصرة وانتشالهم من دونكيرك بعد خسارة كبيرة.
إخلاء دونكيرك (1940) في الحرب العالمية الثانية، وإجلاء قوة المشاة البريطانية وقوات الحلفاء الأخرى من ميناء دونكيرك البحري الفرنسي إلى إنجلترا. تم استخدام السفن البحرية ومئات القوارب المدنية في عملية الإخلاء، التي بدأت 26 أيار. وانتهت 4 حزيران، وتم إنقاذ حوالي 198000 بريطاني و140000 فرنسي وبلجيكي. لكن خلال الحملة بأكملها، من 10 أيار/مارس حتى هدنة استسلام فرنسا في 22 حزيران، خسرت بريطانيا 68000 ضحية، وتخلت عن معظم المعدات الثقيلة خلال عمليات الإخلاء المختلفة (فقدان 2472 قطعة مدفعية، و20000 دراجة نارية، وما يقرب من 65000 مركبة أخرى، و423000 طن من المخازن، وأكثر من 76000 طن ذخائر و165000 طن وقود، والتخلي عن جميع الدبابات البريطانية البالغ عددها 445 والتي تم إرسالها لفرنسا. وأغرقت ست مدمرات بريطانية وثلاث مدمرات فرنسية، إلى جانب تسع سفن رئيسية أخرى. كذلك، تضررت 19 مدمرة، وتم اغراق أكثر من 200 سفينة بحرية بريطانية وحلفاءها، مع تلف عدد مماثل. كان إخلاء دونكيرك أكبر كارثة عسكرية مُنيت بها بريطانيا رغم أنهم لمّعوا صورة الهزيمة زورًا، تحت إسم معجزة دونكيرك.
كانت عربة كومبين Compiègne Wagon هي عربة القطار التي تم فيها توقيع هدنة 11 نوفمبر 1918 (المجحفة والمُذلّة بحق ألمانيا بعد خسارتها الحرب العالمية الأولى). وبعد غزو ألمانيا الساحق لفرنسا، أعاد أدولف هتلر العربة إلى موقعها المحدد لتوقيع هدنة 22 حزيران 1940 (الصورة) لرمزيتها في تحقير وإذلال فرنسا (وهو مثال آخر ألماني للكرّة بعد الفرّة).
معركة بريطانيا (Battle for Britain) أو الـBlitz (مشتقة من الألمانية Blitzkrieg وتعني "الحرب الخاطفة") تبعت كارثة دونكيرك وهي حملة قصف ألمانية مُكثفة ضد المملكة المتحدة لعامي 1940-1941 لإخضاعها للسيطرة الألمانية. شنّ الألمان هجمات جوية جماعية ضد الأهداف الصناعية والبلدات والمدن، بدءًا بغارات على لندن (مع معركة التفوق الجوي بين القوة الجوية الألمانية Luftwaffe والقوة الجوية الملكية البريطانية Royal Air Force).
منذ 7 سبتمبر 1940، قُصفت لندن بشكل منهجي من قبل Luftwaffe لمدة 56 يومًا من الأيام والليالي الـ 57 التالية. كان أبرزها الهجوم الكبير الذي وقع في وضح النهار ضد لندن في 15 سبتمبر. قللت Luftwaffe تدريجيًا من عملياتها في النهار لصالح الهجمات الليلية لتفادي هجوم سلاح الجو الملكي البريطاني، وأصبحت Blitz حملة قصف ليلية بعد أكتوبر 1940. هاجمت Luftwaffe ميناء ليفربول الرئيس المطل على المحيط الأطلسي في Liverpool Blitz. عانى ميناء هال Hull على بحر الشمال Hull Blitz. كما تعرضت مدن بريستول وكارديف وبورتسموث وبليموث وساوثامبتون وسوانزي وبلفاست وغلاسكو للقصف، وكذلك المراكز الصناعية في برمنغهام وكوفنتري ومانشستر وشيفيلد. وقتل أكثر من 40 ألف مدني خلال الحرب الخاطفة، نصفهم تقريبا في لندن، حيث دمر أو تضرر أكثر من مليون منزل. وتحت وطأة القصف تحولت محطات القطارات تحت الأرض underground tubes الى ملاجئ آمنة للمواطنين.
وبسبب القصف الجوي أجلت الحكومة البريطانية أربعة ملايين شخص - معظمهم من النساء والأطفال - من المدن، بما في ذلك 1.4 مليون من لندن ونقلهم لمناطق الريف في ويلز وغيرها؛ وكان كل من اللاجئين الأطفال يلبسون قلادة بالعنق تحمل اسمهم الكامل وعنوانهم (نشأ بعد سنين الحرب "جيل الضياع" من هؤلاء النازحين أو المجليين Evacuees).
لكن في 22 حزيران 1941، بدأت القيادة الألمانية بعملية بربروسا، وغزو الاتحاد السوفيتي. وهكذا فشل القصف في إضعاف معنويات البريطانيين ودفعهم للاستسلام أو إلحاق أضرار جسيمة باقتصاد الحرب؛ ثمانية أشهر من القصف لم تعرقل أبدًا الإنتاج الحربي البريطاني، والذي استمر بالزيادة. وكان التأثير الأكبر هو إجبار البريطانيين على توزيع وتفريق إنتاج الطائرات وقطع الغيار. استغرقت المدن من 10-15 يومًا للتعافي من الضربات الشديدة، لكن برمنغهام استغرقت ثلاثة أشهر. فشل الهجوم الجوي الألماني لأن قيادته العليا لم تضع استراتيجية منهجية لتدمير التصنيع الحربي البريطاني. أدى ضعف المعلومات الاستخباراتية حول الصناعة البريطانية والكفاءة الاقتصادية إلى تركيز القيادة الجوية الألمانية على التكتيكات بدلاً من الإستراتيجية. تم تخفيف جهد القصف من خلال الهجمات المتفرقة ضد مجاميع الصناعات بدل التركيز المستمر على الصناعات الأكثر حيوية.
ورغم كل ما مُنيت به بريطانيا من كارثة دونكيرك ومن الحرب الخاطفة ضدها، إلا أنها لم تستسلم بل كانت تستعد وتعد الكرّة بعد الفرّة. وقام رئيس الوزراء البريطاني ونستون تشرشل أمام مجلس العموم في برلمان المملكة المتحدة في 4 حزيران 1940 بإلقاء خطبته الشهيرة: "سنقاتل على الشواطئ"(We shall fight on the beaches):
(سنستمر للنهاية. سنقاتل في فرنسا، وسنقاتل في البحار والمحيطات، وسنحارب بثقة متزايدة وقوة متنامية في الجو، وسندافع عن جزيرتنا، مهما كانت التكلفة. سنقاتل على الشواطئ، سنقاتل على مواضع الإنزال، سنقاتل في الحقول وفي الشوارع، سنقاتل في التلال؛ ولن نستسلم أبدًا، وإذا (ولا أصدق للحظة) تم اخضاع وتجويع هذه الجزيرة أو جزء كبير منها، فإن إمبراطوريتنا وراء البحار، المسلحة والمحمية من قبل الأسطول البريطاني، ستستمر في النضال، حتى وقت يقدره الله، يتقدم العالم الجديد بكل قوته وعظمته للإنقاذ وتحرير القديم منه).
اُطلق على رئيس الوزراء البريطاني الشهير في زمن الحرب، ونستون تشرشل، لقب "البلدوغ البريطاني" “British Bulldog”. فبوجهه الفاضح وشخصيته البدينة، بدا تشرشل يشبه إلى حد ما كلب بلدوغ الذي يقتنيه - ولأنه اشتهر أيضًا بعناده ورفضه التخلي عن قتال النازيين.